الوصف

أسمعُ من خلفي صوتَ الأقفال يتردَّى صداهُ بينَ الجُدران الصمَّاء ليُخرجَ أنيناً يتلاشى ويبتعدَ، بينَما أتقدَّمُ نحوَ حُجرتي دونَ أن أتجرَّأ على الالتفاتِ إلى الخلف، أسمعُ همساتٍ غير مفهومةٍ، بكاءٌ مكتومٌ ما إنْ يخرجُ من الحناجر حتى يختفيَ، وأنفاسٌ ملوَّثةٌ بأقبح الألفاظ تتلاشى في تلكَ الظلمة.

يا إلهي…! فالخوفُ قد تعشعشَ في روحهنَّ كمُستعمرٍ غدَّارٍ يأبى الخروجَ، وهُنَّ يريْنَ تلكَ الأطيافَ من خلف زُجاج النوافذ في ظُلمة الليالي، إحداها ترى أباها يغرزُ سِكِّينَ المطبخ في صدر أمِّها الحامل و أخرى ترى زوجَها يُسدِّدُ إليها فُوَّهةَ المُسدَّس، فتندسُّ وتختفي بهُدوءٍ تحتَ الأغطية، وأخرى ترى ابنَها يقفُ إلى جانب أبيه الذي ترتفعُ قهقهاتُهُ الهستيريَّةُ، وهو يدفعُهُ بقوةٍ ليرتطمَ بالزجاج، ليتحوَّلَ إلى أشلاءٍ تتناثرُ في الجِوار، يحثُّهُ على قتل أمِّهِ؛ لأنَّهُ قد تعبَ من الشتم والضرب، وقرَّرَ أن يتقاعدَ ويتركَ إدارةَ عملهِ إلى ولي العهد ليكملَ تعذيبَ ما تبقَّى من تلكَ الروح التي عُجنتْ معَ خُلاصة الشقاء الذي ورثتْهُ من العائلة.